بدأ عرض مسلسل عمر بن الخطاب وقد قدمت عدة ردود وتفنيدات فى مقال سابق ضد حجج المنع الواهية ومطالبات المصادرة التى تجاوزها الزمن، وراهنت على أن العقيدة لن تهتز بظهور صحابى أو مبشَر بالجنة، والسؤال الآن: هل اهتزت عقيدتكم بعرض المسلسل؟ هل حدث أن انتابت أحدكم عند مشاهدة الفاروق عمر نوبة صرع؟ هل عندما ظهر أول المسلمين من الرجال وأول خليفة بعد النبى الصحابى الجليل أبوبكر بتجسيد غسان مسعود، انخرط أحدكم فى نوبة رعشة وبكاء خوفاً على سرقة عقيدته؟ ها هى الأمور تمت بسلاسة ويسر كما توقعنا، ولذلك يجب على الأزهر تغيير رأيه المتصلب فى هذه المسألة وفتح الطريق أمام الأجيال التى لا تفتح كتب السيرة أو التاريخ الإسلامى أو على الأقل لا تستطيع غربلة آلاف الصفحات وترتيبها وتصنيفها وفك خيوطها المتشابكة، يجب على الأزهر أن يبادر ويسمح بل ويطلب من كتاب الدراما أن يخوضوا هذا البحر الذى حرموا علينا الخوض فيه أو حتى السير على شاطئه، بحر كتابة التاريخ الإسلامى بأبطاله وبالطبع الصحابة والمبشرين على رأس هؤلاء الأبطال.

قلنا من قبل لا بد أن يكون الاعتراض اعتراضاً فنياً على نقاط فنية فى السيناريو والإخراج والديكور والإضاءة.. إلخ وليست اعتراضاً على التجسيد، وبرغم أن كل تلك العناصر غاية فى الإتقان والروعة، فإن هناك هنات ونقاط ضعف لاحظتها فى الحلقتين الأخيرتين بالذات والممهدتين لإسلام عمر بن الخطاب، وهما حلقتان عبارة عن فاصل من التعذيب والجلد والسلخ والحرق لعبيد مكة الذين خرجوا عن عبادة الأصنام واعتنقوا الإسلام، التعذيب كان موجوداً وكان قاسياً، ولكنى كنت أنتظر ابتكاراً فى صياغة وصناعة تلك المشاهد التى تسرب الملل إلى من شاهدها؛ لأنها احتلت مساحة كبيرة وللأسف هرب الإيقاع وانضباطه من بين يدى المخرج، فتعذيب بلال بن رباح وعمار بن ياسر وعائلته والعبيد والجوارى فى هذه الساحة المتسعة بالتكرار نفسه وجمل الحوار نفسها ذكرنى بطريقة التعذيب المستهلكة نفسها فى أفلام الخمسينات المصرية التى كانت تتناسب وقتها مع الإمكانيات المتواضعة آنذاك.

الستيريوتيب أو النمط الذهنى الجاهز عن مجتمع ما قبل الإسلام أو ما أطلق عليه الجاهلى لا بد أن تنظر إليه عين الفنان بنظرة مختلفة متمردة، لا نقول تجميل هذا المجتمع ولكن نقول عرض هذا المجتمع بأمانة، فليس من المعقول أن يتفرغ هذا المجتمع فى البيت والشارع والقافلة للحديث عن الدين الجديد والأصنام.. إلخ، ألم يكن لديهم تجارة واقتصاد وقوافل وحياة اجتماعية وشعر وأدب وتفاعل مع أمم أخرى؟ هذا المجتمع لم يكن بتلك السذاجة ولا يجب لكى نمجد الدين الجديد أن نرسم صورة متخلفة للمجتمع القديم، قوة الدين الجديد والمجتمع الإسلامى الجديد أنه أقنع مجتمعاً قوياً، ولو أن الإسلام قد انتشر فى مجتمع ساذج متخلف لا ثقافة له لما اعتبر قوياً، فقوة الفكرة تأتى من صراعها ضد فكرة قوية لا فكرة هشة، والمسلسل للأسف تبنى وجهة النظر الساذجة نفسها عن مجتمع ما قبل الإسلام التى تبنتها الدراما السابقة وهذه هى وجهة نظرى فى هذه النقطة التى سيتجاوزها المسلسل حتماً حين سيتناول فترة الفاروق عمر بعد إسلامه وخلافته حتى مقتله التى ستكون مليئة وثرية بالدراما الحقيقية الناضجة.